قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ:
[وقوله: وكافَّةِ الورى. في جر (كَافَّة) نظر، فإنهم قالوا: لم تستعمل (كافة) في كلام العرب إلا حالا، واختلفوا في إعرابها في قوله تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ))[سـبأ:28] عَلَى ثلاثة أقوال:
أحدُها: أنها حالٌ مِن (الكاف) في (أرسلناك) وهي اسمُ فاعل، والتاءُ فيها للمبالغة، أي: إلا كافَّاً للناسِ عنِ الباطل، وقيل: هي مصدر (كَفَّ)، فهي بمعنى (كفّاً) أي: إلا أن تَكُفَ النَّاس كفّاً، ووقوع المصدر حالاً كثيرٌ.
الثاني: أنها حالٌ من النَّاس واعْتُرِضَ بأن حال المجرور لا يَتَقدَّمُ عليه عند الجمهور، وأُجِيبَ بأنه قد جَاءَ عن العرب كثيراً فوجب قَبُولُه، وهو اختيارُ ابنِ مالك رَحِمَهُ اللَّهُ، أي: وما أرسلناك إلا للناس كافة.
الثالث: أنها صفةٌ لمصدر محذوف، أي: رسالةً كافَّة، واعْتُرِض بما تَقَدَّم أنها لم تُسْتَعمَلْ إلا حالاً.
وقوله: [بالحق والهدى، وبالنور والضياء] هذه أوصافُ ما جَاءَ به الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الدِّينِ والشرع المؤيَّدِ بالبراهين الباهرة من القُرْآن وسائر الأدلة. والضياءُ: أكمل من النور، قال تعالى: ((هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً))[يونس:5]]اهـ.

الشرح:
قال الإمام الطّّحاويّ رَحِمَهُ اللَّهُ: [وهو المبعوث إِلَى عامة الجن، وكافة الورى] ينقده المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ من حيث اللغة، فنحن لا نقول: إِلَى كافِةِ الورى، والصحيح أن لم نقل الواجب أن نقول: إِلَى الورى كافةً، فكلمة كافَّة لا تستعمل إلا حالاً، ومعناها: الكل والجمع، فلا تأتِ إلا حالاً دائماً، فلا تُجر ولا تُرفع ولا تُنصب أو نحو ذلك، وأما قوله تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاس)) [سـبأ:28] فقد اختلف في إعرابها، فقيل إنها حال من الكاف في "أرسلناك" لأن الحال لابد أن يكون حالاً من الفاعل، أو من المفعول به، أو حال من متعلق في الفاعل أو المفعول به.
وذهب بعضهم إِلَى أن كلمة كافة تتعلق بالكاف أي: وما أرسلناك إلا كافة للناس، فأنت الكافة للناس، أي: الكاف لهم والتاء للمبالغة، كما يقال في (علامَّة)، و(فهَّامة) أي: رجل كثير العلم والفهم، وهذا قول ضعيف.
والثاني: أنها حال من النَّاس في قوله تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاس)) [سـبأ:28] واعترض عليه بأنها تقدمت، وأن الحال المجرور لا يتقدم عليه عند الجمهور، والصواب: أن ذلك جائز وهو الذي رجحه الإمام ابن مالك وهذه الآية دليل له، فيقول إن معنى قوله تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاس))[سـبأ:28] أي: وما أرسلناك إلا للناس كافة، فهي حال من النَّاس المجرور والله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أعلم.
القول الثالث: أنها صفة لمصدر محذوف وهذا قول مرجوح وضعيف؛ لأنها -كما قلنا سابقاً- ولا تكون إلا حالاً.